السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
المستقبل لهـذا الـديــن
زئير الاسد
الإسلام منهج حياة
الإسلام منهج
. منهج حياة. حياة بشرية واقعية بكل مقوماتها. منهج يشمل التصور الاعتقادي الذي يفسر طبيعة (الوجود)، ويحدد مكان (الإنسان) في هذا الوجود، كما يحدد غاية وجوده الإنساني.. ويشمل النظم والتنظيمات الواقعية التي تنبثق من ذلك التصور الإعتقادي وتستند إليه، وتجعل له صورة واقعية متمثلة في حياة البشر. كالنظام الأخلاقي والينبوع الذي ينبثق منه، والأسس التي يقوم عليها، والسلطة التي يستمد منها. والنظام السياسي وشكله وخصائصه. والنظام الاجتماعي وأسسه ومقوماته. والنظام الاقتصادي وفلسفته وتشكيلاته. والنظام الدولي وعلاقاته وارتباطاته..
ونحن نعتقد أن المستقبل لهذا الدين، بهذا الاعتبار
. باعتباره منهج حياة، يشتمل على تلك المقومات كلها مترابطة، غير منفصل بعضها عن بعض. المقومات المنظمة لشتى جوانب الحياة البشرية، الملبية لشتى حاجات (الإنسان) الحقيقية، المهيمنة على شتى أوجه النشاط الإنسانية.
وهذا الدين
- بهذا الإعتبار - ليس مجرد عقيدة وجدانية منعزلة عن واقع الحياة البشرية في كل مجالاتها الواقعية - إن صح أن هناك ديناً إلهيا يمكن أن يكون مجرد عقيدة وجدانية منعزلة عن واقع الحياة البشرية () - وليس مجرد شعائر تعبدية يؤديها المؤمنون بهذا الدين فرادى أو مجتمعين ، فتكون لهم صفة هذا الدين ! وليس مجرد طريق إلى الآخرة لتحقيق الفردوس الأخروي؛ بينما هناك طريق آخر أو طرق أخرى لتحقيق الفردوس الأرضي، غير منهج الدين، وغير نظم وتنظيمات الدين !
وهذا الدين من الوضوح في هذا المعنى
- ومن العمق والقوة كذلك - بحيث يبدو أن ليس هنالك أمل في نجاح أية محاولة لتصويره في صورة العقيدة الوجدانية المنعزلة عن واقع الحياة البشرية، والتي لا علاقة لها بتنظيمات الحياة الواقعية، وتشكيلاتها وأجهزتها العملية. أو العقيدة التي تعد الناس فردوس الآخرة إذا هم أدوا شعائرها وعباداتها، دون أن يحققوا – في واقع مجتمعهم – أنظمتها وشرائعها وأوضاعها المتميزة المتفردة الخاصة ! فهذا الدين ليس هذا. ولم يكن هذا. ولا يمكن أن يكون هذا.. ربما استطاعت أية نحلة في الأرض تزعم لنفسها أنها (دين) ويزعم لها أهلها أنها (دين) أن تكون كذلك! أما (هذا الدين) فلا. ثم لا. ثم لا..
* * *
ونحن نعرف أن هناك جهوداً جبارة تبذل
-منذ قرون- لحصر الإسلام في دائرة الاعتقاد الوجداني والشعائر التعبدية، وكفه عن التدخل في نظام الحياة الواقعية؛ ومنعه من الهيمنة الكاملة على كل نشاط واقعي للحياة البشرية-كما هي طبيعته، كما هي حقيقته، وكما هي وظيفته.
لقد كانت هذه الخصائص في هذا الدين
.. خصائص الشمول والواقعية والهيمنة.. هي التي تعبت منها الصليبية العالمية في هجومها على (الأمة المسلمة) في (الوطن الإسلامي). كما أنها هي التي تعبت منها الصهيونية العالمية كذلك، منذ عهد بعيد! ومن ثم لم يكن بد أن تبذلا معاً الجهود الجبارة لحصر هذا الدين في دائرة الاعتقاد الوجداني والشعائر التعبدية؛ وكفه عن التدخل في نظام الحياة الواقعية؛ ومنعه من الهيمنة على نشاط الحياة البشرية.. وذلك كله كخطوة أولى، او كموقعة أولى، في معركة القضاء عليه في النهاية!
وبعد أن أفلحت تلك الجهود الجبارة؛ ونالت انتصارها الحاسم على يد
(اتاتورك)-البطل!!!- في إلغاء الخلافة الإسلامية؛ وفصل الدين عن الدولة؛ وإعلانها دولة (علمانية) خالصة. عقب محاولات ضخمة بذلت في شتى أقطار (الأمة المسلمة) في (الوطن الإسلامي) التي وقعت في قبضة الاستعمار قبل ذلك، لزحزحة الشريعة الإسلامية عن أن تكون هي (المصدر الوحيد) للتشريع؛ والاستمداد من التشريع الأوروبي؛ وحصر الشريعة في ذلك الركن الضيق المسدود: ركن ما سموه (الأحوال الشخصية)!
بعد أن أفلحت تلك الجهود الضخمة، ونالت انتصارها الحاسم على يد
(البطل!!!) أتاتورك.. تحولت إذن إلى الخطوة التالية - او الموقعة التالية- ممثلة في الجهود النهائية، التي تبذل الآن في شتى أنحاء (الوطن الإسلامي) - او بتعبير أدق الذي كان إسلامياً- لكف هذا الدين عن الوجود أصلاً؛ وتنحيته حتى عن مكان العقيدة، وإحلال تصورات وضعية أخرى مكانه ؛ تنبثق منها مفاهيم وقيم، وأنظمة وأوضاع ، تملأ فراغ ( العقيدة ) ! وتسمى مثلها .. عقيدة ..
وصاحب هذه المحاولة ضربات وحشية تكال لطلائع البعث الإسلامي في كل مكان على ظهر هذه الأرض؛ تشترك فيه كل المعسكرات المتخاصمة التي لا تلتقي على شيء في مشارق الأرض ومغاربها، إلا على الخوف من البعث الإسلامي الوشيك؛ الذي تحتمه طبائع الأشياء، وحقائق الوجود والحياة، ودلالات الواقع البشري من هنا و من هناك.
تكمله الموضوع
ولكننا نعلم كذلك أن هذا الدين اضخم حقيقة، واصلب عوداً، واعمق جذوراً، من أن تفلح في معالجته تلك الجهود كلها، ولا هذه الضربات الوحشية كذلك. كما أننا نعلم أن حاجة البشرية إلى هذا المنهج اكبر من حقد الحاقدين على هذا الدين؛ وهي تتردى بسرعة مخيفة في هاوية الدمار السحيقة؛ ويتنادى الواعون منها بصيحة الخطر، ويتلمسون لها طريق النجاة.. ولا نجاة إلا بالرجوع إلى الله.. والى منهجه القويم للحياة.
إن هتافات كثيرة من هنا ومن هناك تنبعث من القلوب الحائرة. وترتفع من الحناجر المتعبة.. تهتف بمنقذ، وتتلفت على (مخلِّص). وتتصور لهذا المخلص سمات وملامح معينة تطلبها فيه. وهذه السمات والملامح المعينة لا تنطبق على أحد إلا على هذا الدين!
فمن طبيعة المنهج الذي يرسمه هذا الدين، ومن حاجة البشرية إلى هذا المنهج، نستمد نحن يقيننا الذي لا يتزعزع، في أن المستقبل لهذا الدين، وان له دوراً في هذه الأرض هو مدعو لأدائه - أراد أعداؤه كلهم أم لم يريدوا - وان دوره هذا المرتقب لا تملك عقيدة أخرى- كما لا يملك منهج آخر- أن يؤديه. وأن البشرية بجملتها لا تملك أن تستغني طويلاً عنه.
إن البشرية قد تمضي في إعتساف تجارب متنوعة هنا وهناك- كما هي الآن ماضية في الشرق وفي الغرب سواء- ولكننا نحن مطمئنون إلى نهاية هذه التجارب، واثقون من الأمر في نهاية المطاف.
إن هذه التجارب كلها تدور في حلقة مفرغة، وداخل هذه الحلقة لا تتعداها- حلقة التصور البشري والتجربة البشرية والخبرة البشرية المشوبة بالجهل والنقص والضعف والهوى –في حين يحتاج الخلاص إلى الخروج من هذه الحلقة المفرغة، وبدء تجربة جديدة أصيلة، تقوم على قاعدة مختلفة كل الاختلاف: قاعدة المنهج الرباني الصادر عن علم (بدل الجهل) وكمال (بدل النقص) وقدرة (بدل الضعف) وحكمة (بدل الهوى).. القائم على أساس: إخراج البشر من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده دون سواه.